فصل: مسألة حلف على رجل ألا يسأله حاجة فتعرض له من غير سؤال:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة حلف لرجل ليوافينه من يوم كذا بموضع كذا فأتى الحالف فلم يجده:

قال: وسئل عن رجل حلف لرجل ليوافينه من يوم سماه بموضع كذا وكذا فيأتي الحالف ذلك الموضع في ذلك اليوم فلا يجده، قال: إذا أتى الموضع الذي حلف أن يوافيه في اليوم الذي سمي فلم يجده فلا شيء عليه، قال أصبغ: وذلك إذا ظل يومه كله به ولم يأته ولم يكن بينهما وقت لحين من النهار من ذلك اليوم فيأتي له وينقضي ولم يأته، فأما أن يأتي متى أحب ويمسح ذلك مسحا ويذهب حين لا يجبره عند مجيئه فهو حانث وليس هذا مجيئا ولا موافاة.
قال محمد بن أحمد: ليس الأمر على ظاهر قول ابن القاسم من أنه يبر بأن يأتي ذلك الموضع مرة واحدة وإن لم يجده ولا على ظاهر أصبغ من أنه لا يبر إذا لم يجده إلا بأن لا يفارق الموضع يومه كله، والذي يبر به على قولهما جميعا إذا لم يجده أن يتكرر على الموضع في الأوقات التي يرجو وجوده فيها يبين ذلك ما وقع في رسم جاع من سماع عيسى وقد مضى الكلام على ذلك هنالك والمسألة متكررة في سماع أبي زيد من كتاب الأيمان بالطلاق حاشى قول أصبغ.

.مسألة حلف ألا يحضر عرسه فصنع له بعد العرس طعاما ودعاه:

قال أصبغ: سألت ابن القاسم عمن حلف ألا يحضر عرس بعض إخوانه فأعرس وفرغ من عرسه وصنيعه فصنع بعد ذلك طعاما فدعاه أيجيبه كان بحدثان ذلك أو بغير حدثانه؟ فقال: إن كان إنما صنع ذلك الطعام له لمكان العرس وبسببه ومن أجله فلا يدخله، وإن كان إنما صنع طعاما هكذا وليس لذلك فلا بأس به، قلت: أرأيت إن كان إنما صنع ذلك الطعام له لمكان ما لم يحضر من عرسه، قال: فلا يفعل لا يدخل، قال أصبغ: ولا يدخله إذا صنع بحرارة العرس، وإن صنعه زعم لغير ذلك لما يخالط الناس من الشك في ذلك واستجسارة الناس مثل ذلك وتأويلهم فيهم والتهمة للصانع في ذلك فإن فعل حنث.
قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال: إن الحالف ألا يحضر عرس رجل لا يجوز له أن يحضر طعاما صنعه له مكان العرس لمغيبه عنه لأن معنى ما حلف عليه ترك صلته في عرسه وإدخال الغم عليه بمغيبه عنه وإظهار الكراهة لنكاحه بذلك، فوجب أن يحنث إن شهد شيئا من توابع العرس إن طعاما صنعه له عوض العرس إلا أن يكون إنما حلف ألا يشاهد عرسه كراهة الزحام لا كراهة لصلته ولا لنكاحه، فلا يحنث بإجابته إلى طعام صنعه له لمكان ما لم يحضر من عرسه إذا لم يكن فيه زحام على أصولهم، وما قاله ابن القاسم في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق.

.مسألة حلف على رجل ألا يسأله حاجة فتعرض له من غير سؤال:

قال أصبغ: سئل ابن القاسم عمن حلف على رجل ألا يسأله حاجة أبدا فاحتاج إلى ما في يديه فلزم الجلوس معه بتعرضه أن يصله من غير أن يسأله، فقال: إن تعرضه بالكلام مثل أن يكلم غيره وهو يريده فأراه حانثا، والتعريض بهذا مثل مسألة ما لو حلف ألا يكلمه فكلم غيره وهو يسمع وهو يريده، وقاله أصبغ وإن تعرضه فذكر الحاجة وصرح بها وذكرها عن نفسه أنه محتاج ولم يكلم بذلك أحدا لا هو ولا غيره إلا ذكر حاجة نفسه عن نفسه وما بلغت منه ونحو ذلك، فأراه تعريضا يحنث به لأنه كلام وتعريض بكلام، قال أصبغ: فقلت لابن القاسم: فإن تعرض بالجلوس فقط لا يتعرضه بشيء من الكلام ولا الفعل إلا الجلوس وحده، ولم يكن يجالسه، قال: لا أحب له أن يفعل ذلك فإن فعل لم أر عليه شيئا ولا أحب له أن يفعل يعني ويكف ولا يعود، وقال أصبغ مثله إن سلم من فنون ذلك والحركة فيه على الأوجه كلها، كالذي يحلف ألا يكلم امرأته فيجلس معها ويأخذها ويطأها أو التطاول فيه وله، أو المطاولة عليه حتى يستدل المطلوب بذلك على إرادته وحاجته فهو حانث.
قال محمد بن أحمد: قوله إن التعريض بالسؤال سؤال يحنث الحالف به صحيح؛ إذ قد يكون من التعريض ما هو أبلغ في السؤال من التصريح به ولذلك يجب الحد في التعريض بالقذف، وسواء كان تعريضه بأن يذكر له حاجته وما بلغت منه، أو يذكر ذلك لغيره وهو يريد إسماعه؛ لأن من حلف ألا يكلم رجلا فكلم غيره يريد إسماعه فسمعه حنث باتفاق، وإنما يختلف إذا أراد إسماعه ولم يسمعه، ولم ير ابن القاسم أنه يحنث بالتعريض بالجلوس، وهو على أصله في من حلف ألا يكلم رجلا فأشار إليه بكلام فهمه عنه أنه لا حنث عليه فهم المحلوف عليه من طول جلوسه وحركته حاجته أو لم يفهم، وفي تفرقة أصبغ بين ذلك نظر؛ لأن الجلوس وحده إذا لم يكن يجالسه قبل تعريض بالمسألة، بدليل قوله عز وجل: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] لأن المعتر هو الزائر الذي يعتريك ولا يسألك، فيجب أن يحنث الحالف به إذا أراد به التعريض وإن لم يكن معه زيادة عليه ولا فهم ذلك عنه المعرض له على القول بأن الإشارة كالكلام لأنه يفهم منه التعريض بالمسألة وإن لم تكن معه إشارة كما يفهم بالإشارة.

.مسألة حلف ألا يأكل في المسجد من ماله شيئا فأكل منه شيئا خارجه:

قال أصبغ: سمعت أشهب وسئل عن رجل حلف ألا يأكل في المسجد من ماله شيئا، قال: فكنت أفطر في المسجد مع أصحابه من طعامهم فخرجت ليلة من المسجد إلى خارج الباب فناولني إنسان قرصا فدخلت المسجد فأكلته، وقيل لأشهب: إنها نازلة، فقال: ما أبالي أنازلة أم واقعة لا حنث عليه، فقيل له: أولا نراها قد صارت في ملكه ومالا من ماله حين أعطيها؟ فقال وهو أيضا إذ دعي في المسجد يأكل معهم فإذا رفع اللقمة إلى فيه فقد صارت مالا من ماله، لا يرى هذا كله مالا من ماله في وجه ما حلف عليه.
قال محمد بن رشد: الجواب صحيح والانفصال مما اعترض به عليه القائل عليه غير صحيح، ووجه الجواب أن يمين الحالف إنما يحمل على ما يملك يوم اليمين لا على ما يستفيد بعد ذلك لأن الذي يقول: مالي على المساكين صدقة إن فعلت كذا وكذا فأفاد مالا ثم فعله الاختلاف فيه في أنه لا يلزمه أن يتصدق إلا بثلث ما كان يملكه يوم اليمين إلا أن يقول: مالي يوم أفعل كذا وكذا على المساكين صدقة إن فعلته، أو يريد ذلك، فكذلك هذه المسألة لا يدخل ما أعطي بعد اليمين فيما حلف عليه إلا أن ينص على ذلك أو يريده ولو نص على ذلك أو أراده لحنث إن أكل في المسجد القرص الذي أعطي على بابه؛ لأنه قد صار مالا من ماله قبل أن يأكله، ولو شاء لم يأكله وذهب به إلى بيته أو صنع به ما شاء، ولو أراد إذا دعاه أصحابه ليأكل معهم كلما قطع لقمة ورفعها إلى فيه أن يجعلها في كمه ويذهب إلى بيته أو يعطيها لغيره لم يكن ذلك له إذا لم يأذن له فيه أصحابه، فبان الفرق بين الموضوعين وبطل الانفصال من الاعتراض كما قلناه.

.مسألة حلف ألا يبيع سلعة بمائه دينار حتى يزداد فازداد دينارا:

وسئل عمن حلف ألا يبيع سلعة بمائه دينار حتى يزداد فازداد دينارا حسبته قال: فلا شيء عليه وذلك يبريه.
قال محمد بن أحمد: وقعت هذه المسألة في أول نوازل أصبغ أكمل مما وقعت هنا فأرجأ الكلام فيها إلى أن نمر بها هناك.

.مسألة حلف ألا يدخل بلدة وفلان عليها فمر بقرية من عملها مجتازا إلى بلد آخر:

وسئل عن رجل حلف ألا يدخل بلدة وفلان عليها وال، فاحتاج أن يمر بقرية من عملها مجتازا إلى بلد آخر بينها وبين المدينة الأخرى اليوم واليومان ولا يدخل المدينة، قال: إذا يحنث.
قال محمد بن رشد: وكذلك لو كان بينهما وبين المدينة أكثر من ذلك، ولا اختلاف في ذلك إذ قد صرح بأن يمينه ألا يدخل البلدة إنما هو من أجل أن فلانا عليها وال فلا يدخل شيئا من عملها قرب أو بعد من أجل ولايته عليها، واختلف إذا حلف ألا يدخل بلدة ولم يذكر لذلك علة ولا كانت نية، فقيل: إن يمينه محمولة على عملها حتى يريد الحاضرة بعينها، وقيل: إن يمينه محمولة على الحاضرة بعينها حتى يريد عملها، والأول قول ابن كنانة، والثاني قول ابن القاسم، واختلف في حد عملها إذا نواه أو لم تكن له نية على القول بأن يمينه محمولة عليه، فقيل: عملها وإن بعد وهو قول ابن كنانة، وقيل: أقصاه ما يقصر فيه الصلاة، وهو قول ابن القاسم، واختلف أيضا في حد الحاضرة إذا نواها أو لم تكن له نية على القول بأن يمينه محمولة عليه، فقيل: حدها أقصى ما تقصر فيه الصلاة أربعة برد وهو قول ابن كنانة، وقيل: حدها ما يجب منه الإتيان للجمعة وهو قول مالك وابن القاسم وأحد قولي أصبغ واختيار ابن المواز، وقيل: حدها ما يقصر فيه الخارج ويتم فيه الداخل وهو أحد قولي أصبغ.

.مسألة حلف ألا يأكل من عمل امرأته شيئا ثم طلب منها شربة حريرة من ماله:

وسئل عن رجل عاتبته امرأته فقالت: نأكل من غزلي وعمل يدي وكسبي فحلف ألا يأكل من عملها شيئا ثم دخل عليها يوما فدعا بشربة حريرة من ماله ودعا بعسل كان له في التابوت فأخطأت المرأة، فجاءت بزيت كان لها من عمل يدها أو دهن اشترته لرايتها فصبته فيه فشربه، فقال: إن كان زيتا فهو حانث وإن كان دهنا فلا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: إنما لم يحنثه في الدهن من أجل أن الدهن لما كان مما ليس أن يتخذ للأكل حمل يمينه على ما يتخذ؛ إذ رأى أن ذلك هو مقصده بها ويحنث به على القول إنه لا يراعي المقصد المظنون ويحمل يمينه على ما يقضيه اللفظ المظنون به، وقد مضى ذلك في سماع عبد المالك وفي مواضع من سماع عيسى وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ليقضيه طعاما له عليه فأحاله به قبل أن يقضيه ومضى الأجل:

وسئل أشهب عن رجل حلف لرجل ليقضيه طعاما له عليه إلى أجل من ابتياع فابتاع طعاما فأحاله به قبل أن يقضيه ومضى الأجل، فقال: إن كان المحال قد قبضه قبل الأجل فالحالف بار في يمينه، وقاله أصبغ في اليمين، وينفسخ البيع بعد بينهما وقد بر إن شاء الله تعالى.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها موعبا في أول سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته.

.مسألة حلف ألا يبيع سلعتين له إلا بعشرة فباع إحداهما بعشرة والأخرى بخمسة:

وسئل عن رجل حلف ألا يبيع سلعتين له إلا بعشرة دنانير فباع إحداهما بعشرة ثم باع الأخرى بخمسة، فقال: إن كان الذي يصيب قيمتها من العشرة التي كان عليها فلا شيء عليه، وإنما ينظر إلى ما يصيبها من العشرة في القيمة فإن كان يصيبها في القيمة ستة فباع بها أو سبعة فلا شيء عليه، وإن كان يصيبها خمسة فباع بستة فلا حنث عليه، وإن باع بأربعة فهو حانث إذ باع ذلك بأقل مما يصيبها في القيمة من العشرة فهو حانث، قلت له: فإن باع الأولى بأقل مما يصيبها من العشرة في القيمة ثم باع الثانية بتمام القيمة أو أكثر قال: هو حانث ساعتئذ، قال أصبغ: مثل هذا الآخر وهو القول فيها والصواب.
قال محمد بن رشد: قوله في آخر المسألة فهو حانث ساعتئذ معناه ساعة بيع السلعة الأولى، وقد مضت هذه المسألة وتحصيل القول وما فيها من الاختلاف في رسم إن خرجت من سماع عيسى، وسيأتي في نوازل أصبغ بعد هذا القول في الذي يحلف ألا يبيع سلعته إلا بثمن سماه مع سلعة أخرى صفقة واحدة؛ لأنها وقعت هناك وفي سماع أبي زيد من كتاب الأيمان بالطلاق حايله عن غير تحصيل.

.مسألة له على رجل مال فجحده ثم ظفر له بمال فأراد أن يأخذ منه مقدار حقه:

وسئل عن رجل كان له على رجل مال فجحده ثم ظفر له بمال فأراد أن يأخذ منه مقدار ما له عنده ويرد ما بقي فإن استحلفوه عليه أيحلف؟ قال: لا أرى أن يحلف كاذبا إلا أن يقبلوا منه أن يحلف ما لك عندي شيء فإن من الناس من لا يقبل هذا إلا أن يحلف عليها، فإن قبلوه منه فليحلف ما لك عندي شيء إن شاء الله. قال محمد بن أحمد: ظاهر قوله أنه أباح له الأخذ ولم ير له أن يحلف أنه ما أخذ منه شيئا لأنه يكون في يمينه بذلك كاذبا، فأما إباحته له الأخذ فإن كان أشهب وهو الظاهر من أجل أن المسألة معطوفة على التي قبلها والتي قبلها معطوفة على قوله فهو منصوص من قوله في المبسوطة، وهو قول ابن وهب أيضا وروايته عن مالك وقول ابن الماجشون، وزاد: بل أرى له إعمال الحيلة حتى يأخذ منه مثل ما أخذ له وإن كان ابن القاسم فذاك خلاف قوله وروايته عن مالك في المدونة وغيرها أنه لا يأخذ للحديث الذي جاء: «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك»، والأول أظهر؛ لأن من أخذ حقه فليس بخائن، فمعنى قوله «لا تخن من خانك» أي لا تأخذ أكثر من حقك فتكون قد خنت من خانك، بدليل أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هنداً أن تأخذ من مال زوجها حقها الواجب لها ولولدها قبله بالمعروف إذا مسك عنها، فقال: «خذي يا هند ما يكفيك وولدك بالمعروف»، فعلى هذا يتخرج الحديثان ولا يحملان على التعارض، وقوله: لا أرى أن يحلف كاذبا معناه عندي لا أرى أن يحلف كاذبا في ظاهر يمينه مع أن ينوي يصح له بها الحلف، فإن فعل لم يكن آثما إذ لم يقتطع بيمينه حقا للمحلوف، وقد مضى الاختلاف في هل تكون له نية أم لا في رسم شك من سماع ابن القاسم؟ وأما إن كذب دون نية ينويها فذلك لا يحل ولا يجوز لأنها يمين غموس وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ألا يبتدئ رجلا فصالح امرأته فابتدأه ثم راجع امرأته فابتدأه:

وسئل عن رجل حلف ألا يبتدئ رجلا فصالح امرأته فابتدأه ثم راجع امرأته فابتدأه، قال: لا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أنه حلف بطلاق امرأته ألا يبتدئه فالذي يأتي فيها على مذهب مالك أن اليمين ترجع عليه إذا راجعها ويحنث إن ابتدأه بعد مراجعته إياها؛ لأنه حالف بجميع الملك فلا تسقط عنه اليمين إلا أن يطلقها ثلاثا، وقد قال ابن زيد في النوادر: قوله فابتدأه فلا شيء عليه ليس على أصولنا، وقد سقط في بعض الكتب وأراه غلطا، وقوله صحيح إنما يأتي على مذهب الشافعي الذي يقول: اليمين لا ترجع في العبد بعد الشراء ولا في الزوجة بعد النكاح واحدة طلقها أو ثلاثا، وقد مضى هذا المعنى في رسم يدير من سماع عيسى وبالله التوفيق.

.مسألة حلف في السلعة لا يبيعها بمائة دينار حتى يزاد:

من مسائل نوازل سئل عنها أصبغ مسألة وسئل أصبغ عن الرجل يحلف في السلعة لا يبيعها بمائة دينار حتى يزاد، كم ترى تبرئه يمينه فيها؟ وكم الزيادة التي يخرج بها من الحنث؟ قال: الدينار في المائة تبرية يمين، وأرى النصف دينار في الخمسين تبرية يمين، وهو قول ابن القاسم لي، قلت: والعشرون الدينار هل ترى خمس دينار فيها تبرية يمين على حساب الدينار في المائة؟ قال: لا أرى ذلك لأن الدينار إذا جزيته على المائة لم يصب منه العشرين الدينار أو الثلاثين الدينار أو ما أشبهها إلا الأمر اليسير الذي لا بال له ولا قدر، وإذا اجتمع النصف الدينار في الخمسين ونحوها والنصف والدينار في المائة كان له قدر وموقع وبال إلا أن يكون للحالف نية فيما أراد من الزيادة فيما حلف فله ما نوى، فإن لم تكن له نية فأرى هذا يبريه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: لأن الأيمان إنما تحمل على ما يقتضيه لفظ الحالف إذا لم يكن له نية ولا ظهر له مقصد إرادة وقد علم بالعرف والعادة أن الحالف إذا حلف ألا يبيع سلعته بكذا حتى يزاد على ذلك، أنه إنما أراد زيادة لها قدر على حال الثمن فليس من حلف ألا يبيع سلعته بألف مثقال حتى يزاد كمن حلف ألا يبيع سلعته بعشرة دنانير حتى يزاد إذ يعلم أن المثقال الواحد وما يقرب منه لا قدر له عند الألف مثقال، وأن ربع دينار ونحوه له قدر عند العشرة دنانير، والحد في ذلك ليس فيه أن يرجع إليه ولا قياس يبنى عليه، وإنما هو الاجتهاد على غير قياس، وطريقة غلبة الظن بمقدار ما قصده الحالف من الزيادة ليمينه، ولذلك وقع الاختلاف بينهم في ذلك، فاستحب ابن الماجشون في الواضحة ألا يبر في المائة الدينار إلا بالثلاثة دنانير ونحوها، وإلى نحو هذا ذهب سحنون فلم ير زيادة دينار في المائة بتبرية يمين، وذكر له قول بعض الناس أن ربع دينار في المائة تبرية يمين؛ لأن القطع يجب فيه فأنكره؛ إذ لا وجه للاعتبار بالقطع في ذلك لمخالفة معناه معنى اليمين، ومحمد بن عبد الحكم أنه يبر بأقل من ذلك، وقوله مبني على الاعتبار بما يقتضيه اللفظ دون مراعاة المقصد، وهو في هذه المسألة بعيد لظهور المقصد فيها ونيته بما يخالف للفظ، وأشهب يرى خمس دينار في العشرين دينارا تبرية على حساب الدينار في المائة دينار.

.مسألة له سلعة قيمتها ثمانون فيحلف ألا يبيعها بأقل من مائة فيبيعها بمائتي دينار:

قلت: فإن باع هذه السلعة التي حلف فيها مع سلعة أخرى فأراد أن يضع من ثمن هذه السلعة الأخرى شيئا بعد أن استقصى في السلعة التي حلف فيها تبرية يمينه، قال: إن وضع من هذه السلعة التي أدخل مع التي حلف فيها من ثمنها الذي يراه أهل البصر أقصى ثمنها فهو حانث.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر لأن السلعتين إذا بيعتا في صفقة واحدة وسمي لكل واحدة منهما ثمن فالتسمية غير معتبرة، والواجب أن يفض جميع الثمن الذي بيعتا عليه على قيمة السلعتين فإن رفع للسلعة التي حلف فيها من جميع الثمن ما حلف عليه فأكثر بر وإن وقع عليها أقل مما حلف عليها حنث فقد لا يضع من قيمة السلعة التي ضم إليها فباعها معها صفقة واحدة شيئا فيحنث، وذلك مثل أن يكون له سلعة قيمتها ثمانون فيحلف ألا يبيعها بأقل من مائة فيبيعها بمائتي دينار مع سلعة أخرى قيمتها مائة دينار على أن ثمن كل سلعة منها مائة دينار لأن المائتي دينار تفض على قيمة السلعتين فيجب منها للسلعة المحلوف عليها أقل من مائة دينار وهو قد حلف ألا يبيعها بأقل من مائة، وقد يضع من قيمة السلعة التي ضم إليها فباعها صفقة واحدة شيئا فلا يحنث، وذلك مثل أن يكون له سلعة قيمتها مائة دينار وعشرة دنانير فيحلف ألا يبيعها بأقل من مائة فيبيعها بمائتي دينار مع سلعة أخرى قيمتها مائة دينار وعشرة دنانير على أن ثمن كل سلعة منها مائة دينار لأن المائتي دينار تفض على قيمة السلعتين فيجب للسلعة المحلوف عليها مائة دينار كما حلف، وكذلك يكون الحكم أيضا في هذه المسألة في البر والحنث على القول باعتبار التسمية لأن البيع لا يجوز على هذا القول، وهو قول مالك في الدمياطية وفي سماع ابن القاسم من كتاب كراء الدور في بعض روايات العتبية، إلا أن يكون سمي لكل سلعة من الثمن ما يقع لها منه على قدر قيمتها من قيمه صاحبتها، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ألا يجامع رجلا تحت سقف بيت فأدخله الإمام الحبس كارها:

وقال في رجل حلف ألا يجامع رجلا تحت سقف بيت فأدخله الإمام الحبس كارها، قال: هو حانث وقد جامعه تحت سقف بيت إلا أن يكون له نية ألا يدخل طائعا.
قال محمد بن رشد: وهذا إذا سجنه الإمام في حق، وحكى الإمام ابن حبيب عن ابن الماجشون وأصبغ أنه لا حنث عليه إذا سجن والمحلوف عليه في السجن مسجونا أو غير مسجون ولا إذا سجن فدخل عليه المحلوف عليه في السجن أيضا مسجونا أو غير مسجون، وهذا الاختلاف على اختلافهم فيمن حلف ألا يفعل فعلا فقضى به عليه السلطان، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك من رسم تسلف من سماع ابن القاسم، وأما إذا سجن مظلوما في غير حق فلا حنث عليه، قاله ابن المواز، وهو صحيح لأنه مكره بمنزلة من حلف ألا يفعل فعلا فأكره على فعله، ولا اختلاف في ذلك، وإنما اختلف فيما إذا حلف ليفعلن فعلا فمنع من فعله وحيل بينه وبينه، فالمشهور أنه حانث إلا أن يكون نوى إلا أن يغلب، وقال ابن كنانة: لا حنث عليه، وأما إذا دخل الحالف السجن باختياره غير مسجون والمحلوف عليه فيه مسجونا أو غير مسجون أو دخل عليه فيه مسجونا أيضا أو غير مسجون فلا اختلاف في أنه حانث، ولو جامعه في المسجد لم يحنث، قال مالك: لأنه ليس على هذا حلف، ولو جامعه في الحمام حنث، قال في كتاب ابن المواز: لأنه لو شاء لم يدخله، وليس هذا التعليل ببين؛ لأن له مندوحة عن دخول المسجد أيضا إلى غيره من المساجد، ولا فرق بين الحمام والمسجد في هذا على تعليل مالك، ولا على التعليل الذي في كتاب محمد، فإما أن يحنث فيهما دون مراعاة المقصد، وإما أن لا يحنث فيهما جميعا على اعتبار ما يقتضيه اللفظ دون مراعاة المقصد، وقد مضى في رسم جاع من سماع عيسى وفي غيره من المواضع بيان هذا.

.مسألة حلف ألا يجيز جاريته البحر هو ولا ابنه فباعها ممن أجازها:

وقال في رجل اشترى جارية من رجل، فقال: إني أخاف أن تجيز بها البحر أنت أو ابنك فحلف ألا يجيزها البحر هو ولا ابنه، فباعها ممن أجازها، فقال البائع: إنما أردت ألا يجاز، قال أصبغ: ممن يجيزها فهو حانث أو باعها مبهما ولم يحذر إجازتها فأراه حانثا فأما إن كان باعها ممن لا يجيزها فأجازها الذي اشتراها فلا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: إنما حنث المشتري الذي حلف للبائع ألا يجيز الجارية البحر هو ولا ابنه ببيعه إياها، ممن أجازها إذا لم يشترط على مشتريها منه ألا يجيزها؛ لأنه جعل يمينه على نية البائع المحلوف له وهو قد قال: إنما أردت الإيجاز فكان كأنه قد حلف ألا يجيزها البحر هو ولا ابنه ولا أحد بإباحة ذلك له، فإذا باعها ولم يشترط على المشتري ألا يجيزها فأجازها فقد أباح له إجازتها ووجب عليه الحنث، وإذا باعها شرط على المشتري لا يجيزها فأجازها لم يحنث إذ لم يبح ذلك له، وقد اختلف في البيع على هذا الشرط فقيل: إنه بيع فاسد يجبر المتبايعان على فسخه ما كان قائما ويكون فيه القيمة بالغة ما بلغت إن فات، وقيل: إنه يفسخ ما دام البائع متمسكا بشرطه فإن ترك الشرط جاز البيع وإن فات كان فيه الأكثر من القيمة أو الثمن، وقيل:
إنه إذا فات على هذا القول كان للبائع قدر ما نقص من الثمن بسبب الشرط، وذلك ما بين القيمتين من الثمن، ولا تأثير للاختلاف الواقع في حكم هذا البيع فيما ذكرناه من أن البائع يبر في يمينه به.

.مسألة حلف بصدقة سلعة إن نقصها من ثمن سماه فباعها بأقل:

وقال في الرجل يحلف بصدقة سلعة إن نقصها من ثمن سماه فباعها بأقل، قال أصبغ: هو حانث ويمضي البيع عليه ويكون عليه أن يتصدق بالثمن الذي باعها به إلا أن يكون حابى فيكون عليه أن يتصدق بقيمتها، فإن كانت السلعة من مال قراض، قال: فعليه أن يتصدق بما يصيبه منها، قال: وكذلك لو أن رجلا تصدق بسلعة بينه وبين رجل تصدق بها كلها، فليس عليه إلا ما كان له فيها وليس لشريكه أن يمضي عليه نصيبه ويأخذ منه قيمته، ولكن إن شاء أن يمضي على نفسه فهو أعلم.
قال محمد بن رشد: أما الذي حلف بصدقة سلعة ألا يبيعها إلا بكذا فباعها بأقل فلا اختلاف في المذهب أن الأمر على ما قال من أنه يكون عليه أن يتصدق بأكثر من قيمتها أو الثمن الذي باعها به، يريد ولا يجبر على ذلك بالحكم وإنما لم يجبر على ذلك بالحكم لاختلاف أهل العلم في وجوب ذلك عليه من وجهين. أحدهما لزوم اليمين بالصدقة. والثاني الرجوع في الصدقة ما لم يقبض، وأما إن كانت السلعة من مال قراض فقد قيل: إن المقارض الحالف له أن يتصدق بما يصيبه منها إذ لا يتقرر فيها حق إلا بعد نضوض رأس المال إلى صاحبه لجواز أن يخسر فيما يستقبل فيكون عليه أن يجبر رأس المال مما يجب له من ربح هذه السلعة، والقولان قائمان من كتاب القراض من المدونة، وأما الذي تصدق بسلعة بينه وبين رجل فالاختلاف إنما هو في حصة شريكه، فقيل: إنه يلزمه فيها القيمة إذا رضي شريكه أن يضمنها له بالقيمة ويكون جميع السلعة للمتصدق بها عليه، والقولان في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الهبات والصدقات، وأما حصة المتصدق منها فيلزمه فيها الصدقة إلا أن يكون له مع شريكه فيها شركة مع غيرها مما يقسم معها قسما واحدا؛ ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أنها تقسم، فإن صارت السلعة المتصدَق بها للمتصدق في سهمه كانت للمتصدق عليه، وإن صارت لشريكه لم يكن له شيء، وهو قول ابن القاسم على أن القسمة تمييز حق، والثاني أنه ليس للمتصدَق عليه إلا حصة المتصدق من السلعة، فإن صارت لشريكه كان له من حظ المتصدق من غيرها قدر ذلك، وهو قول ابن الماجشون على قياس القول بأن القسمة بيع من البيوع، والثالث أنه إن صارت السلعة للمتصدق كانت للمتصدق عليه وإن صارت لشريكه كان له من حظ المتصدق من غيرها قدر غيرها وهو قول مطرف، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ليتزوجن إلى أيام:

وقال في من حلف ليتزوجن إلى أيام، قال أصبغ: الأيام ثلاثة، فإن لم يتزوج حنث إلا أن يكون له نية في أكثر من ذلك، والذي يحلف ألا يتزوج أياما مثله وهو أشد.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن أقل الجمع ثلاثة في عرف الكلام، وقد قيل: إنه كذلك في موضع اللسان، فوجب أن يحمل بمنزلة الحالف على ذلك، ولا يراعى فيها قول من ذهب إلى أنه في موضوع اللسان اثنان، وإن كان ذلك هو مذهب مالك في أن الاثنين من الإخوة يحجبان الأم من الثلث إلى السدس؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وقوله: والذي يحلف ألا يتزوج أياما مثله يريد أنه يبر بالثلاثة الأيام كما يحنث الأول بالثلاثة الأيام، وإنما قال فيه وهو أشد؛ لأنه كلما ترك النكاح كان أبين في البر، وهذا بيّن، والله أعلم.

.مسألة يحلف لا يجلس على بساط فمشى عليه:

وقال في الذي يحلف لا يجلس على بساط فمشى عليه، قال: هو حانث إذا كان إنما أراد اجتنابه أو الانتفاع بالجلوس عليه إلا أن يكون له نية أو سبب.
قال محمد بن رشد: كذا وقع في بعض الكتب أو الانتفاع بالجلوس عليه وليس بصحيح؛ لأنه إذا أراد ألا ينتفع بالجلوس عليه فلا حنث عليه بالمشي عليه في بعضها والانتفاع بالجلوس عليه بإسقاط الألف وهو الصحيح، فإذا أراد اجتنابه فهو حانث بالمشي عليه على أي حال كان، وإذا أراد اجتناب الانتفاع به فهو حانث بالمشي عليه في الموضع الذي يبسط للانتفاع به، وإذا أراد اجتناب الانتفاع بالجلوس عليه إن كان ليمينه سبب يدل على ذلك فلا حنث عليه بالمشي عليه على أي حال كان وإن لم تكن له نية، فقال في الرواية: إنه يحنث بالمشي عليه. وتحمل يمينه على الاجتناب، والذي يأتي على أصولهم إذا لم تكن له نية ولا كان ليمينه سبب أن تحمل يمينه على مقتضى لفظه فلا يحنث بالمشي، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ألا يأكل في كل يوم إلا خمس قرص فعملت امرأته قرصا أكبر:

وسئل عن رجل حلف من أهل الريف ألا يأكل في كل يوم إلا خمس قرص، فعملت امرأته القرص أكبر مما كانت ولم تزد على خمس قرص في العدد قال: إن أكل حنث إذا زاد على القدر الذي كان قبل أن يحلف لأنه إنما أراد ذلك القدر بعينه، فإن زاد على ذلك القدر فهو حانث إن أكل القرص كلها.
قال محمد بن أحمد: المعنى في أن الحالف أراد ألا يأكل أكثر من قدر الخمس قرص ولا أكثر من عدتها، فلا اختلاف في وجوب حمل يمينه على ذلك ولو ادعى أنه أراد عدد القرص لا قدرها لم ينو في ذلك إلا أن يأتي مستفتيا، ولو قال قائل: إنه لا ينوي في الفتوى أيضا لبعد النية في ذلك لكان قولا، فقد قيل في الذي يحلف ألا يشرب الخمر فيقول: إنما أردت خمر العنب إنه لا ينوي في قضاء ولا فتيا، وقد مضى ذلك في رسم تسلف من سماع عيسى، وبالله التوفيق.